الرزق.. الأمر الأهم بالنسبة لكل الناس، يتصور البعض أن عظمته في أن يكون وفيرًا وفقط، بينما لا يدرون أن عظمة الرزق في البركة، حتى لو كان قليلا، فيكثره الله ببركته، ويحفظه بحفظه سبحانه وتعالى.
فالعبرة في المال ليست بقلته ولا بكثرته، بل العبرة فيه ببركته وحسن تصريفه، فلا خير في مال كثير لا يتقي فيه صاحبه ربه، والخير كل الخير في مال تعيش فيه البركة وتصاحبه ولو قل.
عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم قال: « ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس»، وللحصول على البركة في الرزق على المسلم، أن يلتزم بصلاته وصدقاته، وذكر الرحمن، فضلا عن صلة الرحم.
مفاتيح البركة
لكن ما هي مفاتيح البركة؟.. وكيف يحافظ المرء عليها؟.. بدايةً البركة من الله، وهي أنه سبحانه يحفظ لعبده ما رزقه إياه، فألا يتعرض لسرقة أو تقل لسبب ما، أو يأخذها البلاء وراء البلاء، وإنما يعيش المرء في نعيم ثبات الاستقرار ومداومة الأمان، فيظل رزقه على حاله، بل أنه حتى من الممكن أن يزيد ويكفي لما يزيد عن حاجته.
وفي ذلك يقول أبو هريرة رضي الله عنه: والله إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه ، فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل ما سألته إلا ليستتبعني فلم يفعل ، فمر عمر – رضي الله عنه – فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليستتبعني فلم يفعل ، فمر أبو القاسم فعرف ما في وجهي وما في نفسي فقال : «أبا هريرة» قلت له : لبيك يا رسول الله فقال : (الحق) واستأذنت فأذن لي فوجدت لبناً في قدح قال : «من أين لكم هذا اللبن ؟ «فقالوا : أهداه لنا فلان أو آل فلان ، قال: «أبا هر » قلت : لبيك يا رسول الله قال : «انطلق إلى أهل الصفة فادعهم لي» قال : وأهل الصفة أضياف الإسلام لما يأووا إلى أهل ولا مال إذا جاءت إلى رسول الله هدية أصاب منها وبعث إليهم منها، وإذا جاءته الصدقة أرسل بها إليهم ولم يُصب منها قال: وأحزنني ذلك وكنت أرجو أن أُصيب من اللبن شربة أتقوى بها بقية يومي وليلتي وقلت: أنا الرسول فإذا جاء القوم كنت أنا الذي أعطيهم، وقلت: ما يبقى لي من هذا اللبن ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بُد .
فانطلقت فأخذت القدح فجعلت أعطيهم، فيأخذ الرجل القدح فيشرب حتى يُروى ، ثم يرد القدح حتى أتيت على آخرهم ، ودفعت إلى رسول الله فأخذ القدح ، فوضعه في يده وبقي فيه فضلة ثم رفع رأسه ونظر إليّ وتبسم وقال : “ أبا هر “ فقلت : لبيك رسول الله قال : “ بقيت أنا وأنت “ فقلت : صدقت يا رسول الله قال : «فاقعد فاشرب» قال : فقعدت فشربت ، ثم قال لي : «اشرب» فشربت ، فما زال يقول لي : «اشرب» فأشرب حتى قلت : لا والذي بعثك بالحق ما أجد له فيّ مسلكاً ، قال: «ناولني القدح»، فرددت إليه القدح فشرب من الفضلة.
معنى البركة
إذن البركة نماء وزيادة، ولذلك كان رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم يدعو بها في مواطن متعددة، ولعدد من الصحابة منهم أنس بن مالك رضي الله عنه، إذ قال عليه الصلاة والسلام فيه: «اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته»، فوجد أنس رضي الله عنه أثر هذه الدعوة في حياته فقال كما في الأدب المفرد للبخاري بسند صحيح: "فدفنت مائة وثلاثة، وإن ثمرتي لتطعم في السنة مرتين، وطالت حياتي حتى استحييت من الناس وأرجو المغفرة"، وعند مسلم قال أنس: فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي يتعاقبون على نحو المائة".