12-09-2023, 11:08 AM
|
|
|
|
التوبة
التَّوْبَةُ* ❤️❤️
أَحَدُ الدعَاةِ كَانَ ذَاهِبًا للحَجِّ وكَانَ يِلْتَمِسُ الرَّفِيقَ لَهُ ويَدْعُو اللهَ بِخَيْرِ الصحْبَةِ, وفِي المَطارِ شَاءَتِ الظرُوفُ والتِي رَآهَا هوَ وقْتَهَا مِنْ أسْوَأِ الظرُوفِ، حيْثُ الْتَقَى بأحَدِ المُمَثِّلِينَ كَانَ هوَ الآخَرُ قَادِمًا للحَجِّ ويتَمَنَّى الصحْبَةُ الطيِّبَةَ, وعندَمَا شَاهَدَ الفَنَّانُ هذَا الداعِيَةَ عَرَّفَهُ بِنَفْسِهِ وطلَبَ مِنْهُ الصُّحْبَةَ، فَوَافَقَ الداعِيَةُ علَى مَضَضٍ، وقَالَ فِي نَفْسِهِ: يا رَبّ، لقَدْ طَلَبْتُ صُحْبَةً صَالِحَةً لِبَيْتِكَ الحَرَامِ ودَعَوْتُكَ مِرَارًا، فَهَلْ هذَا هوَ جَوَابُكَ؟ رَضِيَ الداعِيَةُ بِنَصِيبِهِ وهوَ يَرَى أنَّ هذا الرَّفِيقَ لَيسَ إلَّا شَيْطَانًا ابْتَلاهُ اللهُ بِهِ، ودَعَا ربَّهُ أنْ يُخَلِّصَهُ مِنْهُ, وقَالَ لِنَفْسِهِ: قدْ لا يَرْكَبُ مَعِي الطائِرَةَ وتَكُونُ هَذِهِ لَيْسَتْ رِحْلَتَهُ.
هَمَّ الداعِيَةُ بِرُكُوبِ الطائِرَةِ ثمَّ جَلَسَ على مَقْعَدِهِ، وكانَ المَقْعَدُ الذِي بِجِوَارِهِ مازَالَ خَالِيًا، فَجَلَسَ يَذْكُرُ اللهَ تَعَالى ويَقْرَأُ فِي مُصْحَفِهِ حتَّى جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُهُ: هلْ هَذا المَقْعَدُ رَقْمُ 50؟ فأَجَابَ الداعِيَةُ: نَعَمْ هوَ، فقَالَ لَهُ الرجُلُ: شُكْرًا، وجَلَسَ بِجِوَارِهِ، فإذَا بالداعِيَةِ يَلْتَفِتُ إلَى هذا الرجُلِ الذِي جَلَسَ بِجِوَارِهِ فيَجِدُهُ هوَ نَفْسَ المُمَثِّلَ الذِي قَابَلَهُ، فَابْتَسَمَ الداعِيَةُ لَهُ وسلَّم عليْهِ مَرَّةً أُخْرَى وهوَ فِي قَلْبِهِ كانَ يَتَمَنَّى أيَّ شَخْصٍ غَيْرَهُ, ومعَ ذَلكَ لَمْ يَفْقِدِ الداعِيَةُ أَمَلَهُ في أنْ يَكُونَ رَفِيقُهُ في الحَمْلَةِ أَحَدًا غَيْرَهُ يُعِينُهُ علَى ذِكْرِ اللهِ ولَيْسَ مَنْ يُلْهِيهِ عَنْهُ، ولكِنَّ حَظَّهُ العَاثِرَ جَعَلَ هذَا المُمَثِّلَ مَعَهُ فِي نَفْسِ الحَمْلَةِ ونَفْسِ الفُنْدُقِ، بَلْ فِي الغُرْفَةِ المُجَاوِرَةِ لَهُ.
تَمَاسَكَ الداعِيَةُ وهذَا الرجُلُ يُلاصِقُهُ مِثْلَ ظِلِّهِ طَوَالَ أيامِ الحَجِّ، والداعِيَةُ يُحَاوِلُ أنْ يُبْعِدَهُ عنْهُ بِشَتَّى الطرُقِ المُهَذَّبَةِ، حتَّى جَاءَ يومٌ كَانُوا ذَاهبِينَ فِيهِ إلى عَرَفَاتِ لِرَمْيِ الجَمَراتِ، فَاعْتَرَضَتْهُمْ أَمْطَارٌ غَزِيرَةٌ وسُيُولٌ شَديدَةٌ وتَوَقَّفَتْ حَرَكَةُ الحُجَّاجِ وتَجَمَّعُوا كُلُّهُمْ واحْتَمَوْا دَاخِلَ الحَافِلاتِ، واسْتَمَرَّ بِهِمُ الحَالُ كثِيرًا والأحْوَالٌ الجَوِّيَّةُ تَزْدَادُ سُوءًا أكثَرَ فَأَكْثَرَ، والكُلُّ يَدْعُو اللهَ فِي خَوْفٍ، فَهُمْ بَيْنَ الجِبالِ وَوَسْطَ الصحْرَاءِ, وإذَا بِهَذَا المُمَثِّلِ يَخْرُجُ مِنَ الحَافِلَةِ هوَ وبَعْضُ الرجَالِ وكَانَ بَيْنَهُمُ الداعِيَةُ, وشَاهَدَ المُمَثِّلَ يَبْتَعِدُ عَنِ الجُمُوعِ بِشَكْلٍ مَلْحُوظٍ فذَهَبَ وَرَاءَهُ, فَوَجَدَ هذا المُمَثِّلَ يَدْعُو اللهَ ويَبْكِي بِخُشُوعٍ رَهِيبٍ ويقُولُ: يا ربِّي، لَقَدْ عَصَيْتُكَ كَثيرًا ودَاوَمْتُ علَى مَعْصِيَتِكَ، لَمْ أُصَلِّي إلَّا فِي هَذِهِ الأيامِ ولَمْ أَصُمْ حَتَّى شَهْرَكَ الفَضِيلَ، لَكِنِّي جِئْتُكَ اليومَ طَائِعًا ذَلِيلًا تَائِبًا عَنْ كُلِّ المَعاصِي وكُلِّ مَا يُغْضِبُكَ، ألَا تَقْبَلُنِي وقَدْ قَالَ رَسولُكَ الكَريمُ صل اللهُ عليه وسلم: "إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ يبْسُطُ يَدَهُ بالليلِ لِيَتُوبَ مُسيءُ النهارِ، ويَبْسُطُ يدَهُ بالنهارِ ليَتُوبَ مُسيءُ الليلِ حتَّى تَطْلُعَ الشمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا", وقَالَ أيضُا: "مَنْ تَابَ قبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عليْهِ"، يا رَبِّ، لَا تُعَذِّبْ هَؤلاءِ الضُّعَفَاءِ بِسَبَبِي، سَامِحْنِي يا الله. وظَلَّ هذا المُمَثِّلُ يَدْعُو اللهَ بِخُشُوعٍ وصِدْقٍ وبِدُمُوعٍ تَسِيلُ كالمَطَرِ أبْكَتِ الداعِيَةَ، حتَّى حدَثَتْ مُعْجِزَةٌ، فَبِآخِرِ حَرْفٍ نَطَقَهُ المُمَثِّلُ تَوَقَّفَ المَطَرُ وبدَأتْ أَشِعَّةُ الشمسِ تَظْهَرُ شَيئًا فَشَيْئًا، ونَجَا الحجَّاجُ بِفَضْلِ دُعاءِ هذا المُمَثِّلِ، وهُنا مَسَحَ المُمثِّلُ دُموعَهُ وهمَّ بالرُّجُوعِ إلى الحَافلَةِ، فإذَا بالداعِيَةِ يَقِفُ مَذْهُولًا لا يَقْوَى على الحِرَاكِ، ثمَّ أقْبَلَ على المُمَثِّلِ وقَبَّلَهُ واحْتَضَنَهُ وقَالَ لَهُ وهوَ يَبْكِي: أنْتَ فَعَلْتَ هذا؟ أنْتَ فَعَلْتَ هذا؟ صدَقْتَ يا رَبَّنَا يا مَنْ قُلْتَ فِي كِتَابِكَ الكرِيمِ: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ".
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
|